الثلاثاء، 18 يونيو 2013

كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان

لا انفصال بين المبادئ والأشخاص
(الإمام سيد قطب رحمه الله)

لست ممن يؤمنون بحكاية المبادئ المجردة عن الأشخاص لأنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة ؟ وكيف توجد  العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان ؟
إن المبادئ والأفكار في ذاتها – بلا عقيدة دافعة – مجرد كلمات خاوية أو على الأكثر ميتة ! والذي يمنحها الحياة هي حرارة الإيمان المشعة من قلب إنسان ! لن يؤمن الآخرين بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد لا في قلب مشع .
آمن أنت أولا بفكرتك آمن بها إلى حد الاعتقاد الحار ! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون !! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة !..
لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان ، ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الأرض في صورة بشر !.. كذلك لا وجود لشخص – في هذا المجال – لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص
إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ عملية في بعض الأحيان مستحيلة وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء !..
كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان ! أما الأفكار التي لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام !
(مقتطف من كتاب "أفراح الروح" للإمام "سيد قطب" رحمه الله)

الاثنين، 17 يونيو 2013

عشر نصائح لإدراك الحق!‎

عشر نصائح لإدراك الحق!

النصيحة 1: استدل ثم اعتقد و لا تعتقد ثم تستدل فتضل

النصيحة 2: جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل

النصيحة 3: الحق لا يعرف بالرجال, اعرف الحق تعرف أهله

النصيحة 4: تحرير النفس من العادات و المألوفات:
قال تعالى: "بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"

النصيحة 5: اتباع الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة خاصة القرون الثلاثة الأولى
 قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "خيرُ القرونِ قرني الذي بعثتُ فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"

النصيحة 6:  عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : "
جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ؟ " ، قُلْتُ : نَعَمْ : فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي صَدْرِي ، وَيَقُولُ : " اسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ، ثَلاثًا "


النصيحة 7: الحذر من الأئمة المضلين و علماء السوء:
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الأعراف:176]
 ويقول تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}[الجمعة:5]
وقال صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون"
و كذلك الحذر من علماء السلطان و فتاواهم المضللة:
قال ‏ ‏صلى الله عليه و سلم: "من سكن ‏ ‏البادية ‏ ‏جفا ‏ ‏ومن ‏ ‏اتبع ‏ ‏الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن"
و لصادق الرافعي رحمه الله نص رفيع في الفرق بين "علماء الحق" و "علماء السوء":
أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء ، وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف ؟
 أولئك في أخلاقهم كاللوح من البللور ، يُظهر النورُ نفسه فيه ، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب ، يظهر النور حقيقته الخشبية لا غير !
 وعالم السوء يفكر في كتب الشريعة وحدها ، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال ، ويغير ويبدل ، ويظهر ويخفي ، ولكن العالم الحق يفكر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة ، فهو معه في كل حالة ؛ يسأله : ماذا تفعل ؟ وماذا تقول ؟
والرجل الديني لا تتحول أخلاقه ، ولا تتفاوت ، ولا يجيء كل يوم من حوادث اليوم ، فهي بأخلاقه كلها ، لا يكون مرة ببعضها ومرة ببعضها ، ولن تراه مع ذوي السلطان وأهل الحكم والنعمة كعالم السوء هذا ؛ الذي لو نطقت أفعاله لقالت لله بلسانه : هم يعطوني الدراهم والدنانير ، فأين دراهمك أنت ودنانيرك ؟ 
إن الدينار يا ولدي إذا كان صحيحا في أحد وجهيه دون الآخر ، أو في بعضه دون بعض ، فهو زائف كله

النصيحة 8: البحث و القراءة الجادة: فإن أول ما نزل من القرآن "اقرأ باسم ربك الذي خلق

النصيحة 9: الرغبة في معرفة الحق حبا في معرفة حكم الله في المسألة, و النزول عنده و الوقوف على مقتضى أمره سبحانه و تعالى و تعبد الله به, و ليس مجادلة فلان أو علان, أو انتصارا للنفس و العادة و الهوى. و للشيخ المعلمي في نحو هذا نص نفيس تشد إليه الرحال:
(
..مسالك الهوى أكثر من أن تحصى، وقد جربتُ نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم من ذلك الخادش، وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررتُ ذاك المعنى أولا تقريراً أعجبني صرتُ أهوى صحته، هذا مع أنه لم يَعلم بذلك أحدٌ من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لو لم يلح لي الخدش ولكنَّ رجلاً لآخرَ اعترض عليَّ به؟ فكيف لو كان هذا المعترض ممن أكرهه؟ )

النصيحة 10: عدم الإعتبار بما عليه أكثر الناس.
قال تعالى: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله"

فتلك عشرة كاملة جمعتها   من بعض الأقوال و النقولات عن بعض أهل العلم و السلف الصالح, و لا أنسى أن أورد كلاما نفيسا للشيخ الفاضل "حاكم المطيري" حفظه الله:

ولم أحمل النصوص ما لا تحتمل، كما لم أعبأ بما عليه الناس اليوم، ولم ألتفت إلى الموافق والمخالف في الرأي، بل قصدت الحق دون الخلق، فمن التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس .
واعلم أن ما توصلت إليه سيثير سخط كثيرين؛ إذ ليس من السهل هز عقائد الناس ونسف مفاهيمهم التي نشئوا عليها حتى غدت هي الدين ذاته في نظرهم، بينما هي في واقع الأمر ثقافة مجتمعات توارثتها على مر الأجيال، صاغت الدين وأحكامه وفق حاجاتها ومصالحها وقيمها، فآلت أمورها إلى ما آلت إليه، لا بسبب الدين بل بسبب انحرافها في الدين عن مبادئه وغاياته ومقاصده بالتأويل الفاسد والتحريف الكاسد، حتى لم يعد دين الناس اليوم هو الدين الذي كان عليه الصحابة – رضي الله عنهم- مع كون القرآن ما زال غضا طريا كما نزل، إلا أنه حيل بين الناس وبينه بمفهوم مئات العلماء وشروحهم وتأويلهم، حتى لا يكاد المسلم اليوم يقرأ آية من كتاب الله مهما كانت صريحة قطعية في دلالتها حتى يراجع عشرات الكتب لينظر ماذا فهم منها الآخرون،وهذا هو الفرق بين الصحابة – رضي الله عنهم – الذين كان  القرآن والرسول (صلى الله عليه و سلم) هما اللذين يحددان لهم الطريق فانخلعوا من ثقافة مجتمعهم وقيمه ومصالحه، وقطعوا كل علاقة تربطهم بهذه الثقافة, والمسلمين اليوم الذين لم يعد القرآن ولا السنة هما اللذين يحددان لهم معالم الطريق، بل المفسرون والشراح والعلماء، الأحياء منهم والأموات، مع اختلاف عصورهم وفهومهم وثقافاتهم؟!!

هذا و مسك الختام  الصلاة و السلام على خير الآنام: سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


الجمعة، 14 يونيو 2013

"صناعة القائد" أو "صناعة الوهم"؟!

"صناعة القائد" أو "صناعة الوهم"؟!

"اكتشف القائد الذي بداخلك", "صناعة القائد", "سحر القيادة"...إلخ
عناوين كثيرة مماثلة تطالعنا في هذه السنوات الأخيرة بعد ثورة "التنمية البشرية "التي لجأ إليها المسلمون و استوردوها من الغرب ظنا منهم أنها ستخرجهم من أزمة الفشل التي يعيشونها!
دورات أقيمت و أموال أهدرت و كتب ألفت و لا زال الحال هو الحال...
فشل يتلوه فشل..

نحن لا نستنكف عن الإستفادة من أي مجهود أو فكر لا يتنافى مع قيمنا الإسلامية, و قد استورد المسلمون من الروم و الفرس أفكار إدارية عديدة في عز تطور الخلافة الإسلامية و مجدها! فلا أحب أن يحمل أحد كلامي هذا على محمل الرفض لما يأتينا من الغرب!

و لكن أن يتم خداع الناس و إيهامهم أنه بإمكان أي واحد منهم أن يصير قائدا فهذا من الغش المحرم و الكذب على الناس! (لا أقول أن كل من كتب في القيادة يفعل ذلك)

و بيان ذلك كما يلي:

أولا: لقد جاء في الحديث الصحيح ان سيدنا "أبو ذر" رضي الله عنه طلب من سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم أن يستعمله فأخبره سيدنا محمد أنه لا يقدر عليها:
عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها
قلتُ: هذا سيدنا "أبو ذر" رضي الله عنه و هو يملك الكثير من مواصفات القيادة بل هو قائد رضي الله عنه في مجال الدعوة و الأمر بالمعروف و نصرة الإسلام و لكنه لا يملك (كما رأى النبي صلى الله عليه و سلم) مقومات تولي الإمارة!
و أبو ذر رضي الله عنه خير (ديانة) من كثير ممن تولى الإمارة في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و في عهد الخلفاء الراشدين و لكن كانت لهم خصال جعلتهم أجدر بالولاية منه!
و أين نحن اليوم من قوة أبي ذر رضي الله عنه!
و إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول لسيدنا "أبا ذر" "إنك ضعيف" فكيف هو حالنا نحن؟
ثانيا: علق يوما أحد أصحابي  على موضة القيادة فقال مستشهدا بمثل معروف: "أنت أمير و أنا أمير فمن منا يسوق الحمير"!!
و هذا كلام مليح فإنه من المعلوم بالبديهة أنه من المستحيل أن يكون كل الناس قادة مقدمين متصدرين!! و إلا فسيقودون من؟
و انتشار مثل هذه النظريات السخيفة عن امتلاك كل شخص صفات القيادة أدى إلى التنازع على سبيل المثال في بعض الجماعات الإسلامية و حدوث انشقاق يتلوه انشقاق (كمثل ما يحدث في الإنفجار النووي) لأن كل واحد يظن أنه خير من صاحبه و أجدر بالإمارة منه, و لا تطاوعه نفسه أن يعمل تحت إمرته!
و من حكمة الله أن جعل للبعض صفات الزعامة بالجبلة و جعل لغيره صفات الإنقياد و الخضوع لإحداث التوازن في سير الحياة و إلا فبالله عليكم جربوا أن يُضرب "عمال النظافة" يومين عن العمل!!
ثالثا: إن مفهوم القيادة بصيغته الحالية يطمس الصيغة النبوية لها:
"ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع مسئول عن رعيته"
فالبر بالوالدين نوع من القيادة...
و إدارة الأسرة نوع من القيادة...
و إدارة الخلافات الزوجية نوع من القيادة..
و مثل هذا النوع من القيادة هو الذي ينبغي بالفعل تنبيه الناس إليه و تدريبهم و متابعتهم لأدائه على النحو الذي يرضي الله تعالى!
و الإنسان الذي يتصدر لقيادة الجماهير و هو عاجز عن إدارة بيته و احتواء الخلافات الزوجية و بر والديه هو إنسان فاشل يهرب من واقعه إلى عالم افتراضي من الأوهام و المسكنات!

إن معظم من يتكلمون في القيادة و يحاضرون فيها و يدربون يتحسسون وترا خفيا في النفس البشرية و هو حب الزعامة و الإمارة و التصدر!
و لا يخفى على أي إنسان عاقل أنه لا يمكن لأي إنسان أن يصبح قائدا قبل أن يمر بمرحلة "صناعة الجندي"!
فالرضيع لا يصبح رجلا في غمضة عين!
و كذلك القائد لا يبرز من العدم!
و لنا في الصحابة رضوان الله عليهم أسوة  فإنهم لم يصبحوا قادة إلا بعد أن مروا بمرحلة إعداد و جندية و انضباط صارمة!
إن صناعة الجندي مقدمة على صناعة القائد, و لكن هؤلاء الذين يتكلمون في القيادة يعلمون أن تجارتهم ستبور إذا أرادوا تعليم الناس كيف يصبحون جنودا يتلقون التعليمات و ينفذونها!

و لننظر حولنا كم هو عدد الكتب و الدورات و المحاضرات التي تتكلم عن "صناعة الجندي"؟!

أترك الجواب للقراىء العزيز

الخميس، 13 يونيو 2013

ومن حَرَّمَ الكلام في الحب؟ (للشيخ علي الطنطاوي) 1/2


ومن حَرَّمَ الكلام في الحب؟ (للشيخ:علي الطنطاوي)
و الله الذي أمال الزهرة على الزهرة حتى تكون الثمرة، وعطف الحمامة على الحمامة حتى تنشأ البيضة، وأدنى الجبل من الجبل حتى يولد الوادي، ولوى الأرض في مسراها على الشمس حتى يتعاقب الليل والنهار، هو الذي ربط بالحب القلب بالقلب حتى يأتي الولد.

ولولا الحب ما التفَّ الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطف الظبي على الظبية في الكناس البعيد، ولا حنى الجبل على الرابية الوادعة، ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو البحر.

ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع، ولا كانت الحياة.

ما في الحب شيء ولا على المحبين سبيل، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه، أو يضيع خلقه، أو يهدم رجولته أو يشتري بلذَّة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم.

أوَلم يؤلف ثلاثة من أعلام الإسلام، ثلاثة كتب في الحب، وهم: صاحب الأعلام(ابن القيم)، ومصنف المُحلَّى (ابن حزم)، والإمام ابن الإمام
ويا ليت الشباب يعودون الى الحب , فتقل هذه الشرور, ويخف هذا الفساد ولكن أنى يكون هذا الحب ,مع هذه الشهوات المستعرة ؟
انها اذا لم تطمر الفحمة في الارض دهرا, لا تصير الماسا ,واذا لم تدفن الشهوه في جوف القلب عمرا , لا تكون حبا .
ولكن كيف أكتب عن الحب ؟
وهل تسع هذه المقالة حديث الحب ؟ هل يوضع القمر في كف غلام ؟ هل يصب البحر في كف مدام ؟ وأين لعمري الالفاظ التي احملها معاني الحب ؟ أين التعبير الذي يترجم عن العاطفة ؟
إن البشر لا يزالون أطفالا ما تعلموا الكلام, إنهم خرس يتكلمون بالإشارات , وما هذه اللغات إلا إشارات الخرسان ,و إلا فأين الالفاظ التي تصف ألوان الغروب , ورجفات الأنغام , وهواجس القلوب؟
........

الحب عالم من العواطف , ودنيا من الشعور , فيها كل عجيب وغريب , وليس لنا إليه الا هذه الكوة الضيقة , الكلمة القصيرة ذات الحرفين , : الحاء و الباء , الحاء وتمثل الحنان , والباء و التي تجعل الفم وهو ينطق بها , كأنه متهيا لقبلة , كلمة (الحب) , ولكن كم بين حب وحب ؟


بين (حب) التلميذ مدرسته. و (حب) الوالد ولده. و (حب) الصديق صديقه.
و (حب) المتشائم الوحدة,  و حب أكلة من الأكلات و حب منظر من مناظر الطبيعة, و حب كتاب من الكتب ..
وبين حب المجنون ليلاه ؟؟
وحب العاشقين أنواع وأنواع 
ففي أي الحب أتحدث ؟

وكيف أجمع أطراف الكلام حتى أحشره في هذه الصفحات . ولو لبثت شهرا أكتب كل يوم فصلا ما أتيت على ما في نفسي , ولما وفيت حقه الموضوع؟
ولكني مع ذلك سأحاول 
أحاول أن أكتب في الحب, و قد تقضى الصبا,و تولى الشباب , و ما كان يوما يملأ القلب ,صار ذكرى لا تكاد تخطر على البال؟.

لقد كنت إذ أكتب في الحب, أغرف من معين في نفسي يتدفق, فجف النبع حتى ما يبض بقطرة, و خلا الفؤاد من ألم الهجر, و أمل الوصال, وبطل سحر الغيد, وطمست شمس الحقيقة, سرج الاباطيل؟
ولو أني بليت بحب جديد , لأعاد الحب أيامي , التي مضت , والحب يصنع المعجزة , 
التي تتقطع دونها أمل البشر , يعيد للنحب ماضيات الايام , ويرجع له خوالي الليالي , 
ويرد الكهل فتى , والفتى طفلا , وأين مني الحب ؟؟

الأربعاء، 12 يونيو 2013

خاطرة قرآنية حول آية "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً"

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هذه خاطرة تخص آية "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً"

إن الهدى المنهاجي في هذه الآية, هو الحض على التعاون في سبيل الدعوة, و التآزر في مواجهة أعداء الله, و تحقيق التكامل بين الدعاة.

و لو تتبعنا سبب تأييد سيدنا موسى بأخيه سيدنا هارون عليهم و على نبينا أفضل الصلوات و أزكى التسليم, لوجدناه استجابة لدعوته التي جاء فيها:
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ"

لقد طلب سيدنا موسى عليه السلام من الله سبحانه و تعالى أن يشد أزره بأخيه لأنه "أفصح منه لسانا", و في هذا تنبيه قرآني عجيب على مفهوم التكامل بين الدعاة, و أن يتم كل منهم ما قد يكون نقصا عند الآخر. و أن لا يستنكف الدعاة أن يطلبوا مساعدة بعضهم البعض, لأشياء قد تكون في النفس, بل إن من الإخلاص في الدعوة أن يأخذ كل من الدعاة المكان الذي يناسب إمكانياته. "فكل ميسر لما خلق له"
و لقد كان الله سبحانه و تعالى قادرا على أن يجعل موسى عليه السلام أفصح مما هو عليه, فلا يحتاج البتة لأخيه, و لكنني أزعم أنه سبحانه و تعالى أرادها درسا لكل الدعاة, و ربما لهذا جاء تكرار طلب سيدنا موسى لله سبحانه و تعالى أن يشد عضده بسيدنا هارون -عليهم و على نبينا أفضل الصلاة و أزكى التسليم- مرات عديدة في القرآن الكريم.

من الهدى المنهاجي الذي يمكننا استنباطه أيضا من هذه الآية:

"وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً" (35)
إذا ربطناها بالآيات التالية, التي تزيد في شرح سبب طلب سيدنا موسى مساعدته بأخيه سيدنا هارون عليهم و على نبينا أفضل الصلوات و التسليم:
"اشدد به أزري و أشركه في أمريكي نسبحك كثيرا و نذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا"
نخرج بأهمية مسألة التعاون على عبادة الله عز و جل, و أن هذا التعاون بمختلف مظاهره صلاة و تسبيحا و ذكرا و تذكيرا.. يعمق صلات الأخوة الروحية التي تكون من ثمرتها تعاون عملي منضبط في مجال الدعوة.

فإن الأرواح إذا تآلفت و تعمقت أواصرها و التحمت أنوارها كانت بعون الله قادرة على طرد خفافيش الظلام. كما أن التضحيات في مجال الدعوة تكون أسهل كثيرا عليها.

و لنا في السيرة النبوية شاهد, و هي تعاون الصحابة على عبادة الله في دار الأرقم ابن أبي الأرقم, ثم صدعهم بالدعوة بعد ذلك.
هذا و الله أعلى و أعلم 

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

خواطر حول العقيدة (1)

إن تعلم العقيدة نظريا دون العمل بها كمثل من يحفظ الآجرومية و الألفية و مع ذلك تراه ينصب الفاعل و يرفع المفعول!
إن العقيدة ليست مجرد متون تُستعرض أو شروح تحفظ و إنما هي كما جاء في الإيمان: "ما وقر في القلب و صدقه العمل"
هذه هي العقيدة الحقيقية!

من هنا نبدأ! (1)

الهدى المنهاجي في سورة العلق/ الجزء الأول


لفضيلة الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي 


نشر بجريدة المحجة الصادرة بفاس بتاريخ 11 صفر الخير 1428ه/02 مارس 2007م/ العدد 272


إن مطلع سورة العلق من أوائل ما نزل بإجماع العلماء، ثم نزلت بعد ذلك الآيات التي تضمنتها السورة.

وتيسيرا على القارئ الكريم نورد النقط الأساسية أو بعض معالم الهدى المنهاجي في هذه السورة كلها على الشكل التالي:


أولا: أول الطريق القراءة باسم ربنا، فبلا قراءة لا علم، وبغير اسم ربنا لا قدرة ولا انتفاع:

وذلك مما يستلزم :

-
أن التفوق في العلم بلغة اليوم هو الخيار الاستراتيجي والطريق المعبد للإمامة الحضارية.

-
أن الإصلاح يبدأ من الأفكار قبل الأعمال، ومن الباطن قبل الظاهر، ومن الأصل قبل الفرع، ومن الفرد قبل الجماعة..

-
أن التبرؤ من الحول والتوكل على الله الذي ليس إلا منه الحول وهو رأس الحول.


ثانيا: أول العلم العلم بربنا: خالقا ومعلما لنا ثم العلم بالإنسان  من حيث هو إنسان) مخلوقا ومعلما من ربنا:

وذلك مما يستلزم:

-
ذكر نعم الله تعالى طريقا للعلم به والخشية له وعلى رأس تلك النعم نعمتا الخلق والتعليم.

-
تركيز الاهتمام بالإنسان لتميزه موقعا وتكريما وتعليما.

-
التعليم أكبر مظهر للتكريم.


ثالثا: الطغيان أبرز أدواء الإنسان، وفي توهم الشعور بالاستغناء سر الداء، وفي الاستيقان بالرجوع إلى ربنا سر الدواء:

وذلك مما يستلزم:

-
ملازمة الشعور بالافتقار إلى الله تعالى.

-
ملازمة ذكر الموت والآخرة والرجوع إلى الله تعالى.

-
ملازمة الوقوف عند حدود الله تعالى وعدم التعدي.


رابعا: الله تعالى يتولى الدفاع بنفسه عن عبده إذا استجمع ثلاثة شروط:

-
إذا صلى، وكان على الهدى، وأمر بالتقوى. أي إذا كان موصولا به في قلبه/ سائرا على هداه في حياته/ داعيا غيره إلى تقوى ربه.


خامسا دفاع الله تعالى عن عبده يكون بأمور:

1-
بفضح طغيان غيره عليه، وبيان اتصاف عبده بكل ما يقتضي الإحسان إليه بدل الإساءة إليه، وتخويف الطاغي عليه برؤية الله تعالى لا محالة، فإن لم ينتبه الطاغية يكون الدفاع.

2-
بالتهديد بالأخذ المباشر، والهجوم عليه بالقول المباشر، وتحديه بالفعل المباشر.


سادسا: واجب عبد الله تجاه أي طاغية ينهاه عن فعل ما أمر به الله هو:

-
عدم الطاعة له، والسجود له، والاقتراب من الله.


سابعا: خلاصة هدى السورة (للعبد المؤمن):

1-
تعلم الحق (كما هو خالصا من الله جل جلاله):

2-
العمل بالحق والثبات عليه كما أمر الله جل جلاله، اتصالا به، وسيرا على هداه، وأمرا بتقواه.

3-
الصبر على أذى الطغيان دون طاعة له ولا رد مادي عليه، إلا رد البيان لحق المحق وخطر مصير المبطل.


المفروض أن يكون كل قارئ لهذه النظرات قد رجع إلى مختلف التفاسير ليتعرف على معاني السورة حسب الطاقة، لأنني ههنا لن أتحدث عن المعاني، وإنما سأتحدث عن شيء آخر زائد عن المعاني، هو هذا الهدى المنهاجي الذي يمكن أن يستفاد من هذه السور في زمننا هذا، في ظرفنا هذا.

وسورة العلق من أول ما نعمل –بحول الله وقوته- على تلمس الهدى المنهاجي فيها. ومن الأمور التي يمكن استفادتها من هذه السورة ما يلي:


أولا: أول الطريق القراءة باسم ربنا، فبلا قراءة لاعلم، وبغير اسم ربنا لاقدرة ولا انتفاع أي الإبصار بعين الوحي وميزانه:

وذلك مما يستلزم:

-
أن التفوق في العلم بلغة اليوم هو الخيار الاستراتيجي والطريق المعبد للإمامة الحضارية.

-
أن الإصلاح يبدأ من الأفكار قبل الأعمال، ومن الباطن قبل الظاهر، ومن الأصل قبل الفرع، ومن الفرد قبل الجماعة..

-
أن التبرؤ من الحول والتوكل على الله الذي ليس إلا منه الحول وهو رأس الحول.

ويستفاد هذا الأمر من مطلع السورة الذي هو أول ما نزل من كتاب الله عز وجل.

فأول الطريق ليكون الإنسان مسلما مؤمنا، صالحا مصلحا،هو القراءة باسم الله، باسم ربنا، أي الإبصار بعين الوحي وميزانه. فبلا قراءة لا علم، وبغير اسم ربنا لا قدرة ولا انتفاع.

ومعنى هذا الكلام أني إذا أردت أنا الفرد أن أكون مؤمنا حقا من أين أبدأ؟ هل أبدأ بأن ألبس جلبابا أو أضع حزاما أو عمامة أو أي شيء آخر. لا.

البدء أولا يكون بالعلم، بالعلم الشرعي، لأنه لا يحل لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.

ولكن الآن ونحن في هذه النقطة بالذات، نقطة من أين بدأ الله عز وجل بعبده محمد صلى الله عليه وسلم الذي أراد منه أن يكون معلم البشرية كلها، لقد أراد منه ألا يعلم حتى يتعلم هو، وحتى يعمل بما يعلم، أي حتى يتحقق مما يعلم، ويتخلق بما يعلم.

فمن أين يكون البدء إذن؟ البدء من العلم، هذا أول الطريق للفرد رجلا كان أو امرأة، يجب أن يبدأ التحول فيه بالعلم، أي يجب أن يبدأ بتحويل نفسه انطلاقا من العلم، والعلم المطلوب علم الوحي. هذه هي النقطة التي منها البدء. ينبغي ألا نتجه أي وجهة أخرى، ينبغي ألا نعكس الأولويات، أو أن نأتي إلى بعض التفاصيل أو إلى بعض الأعمال فنقدمها على العلم الصحيح.

والعلم الخالص الصافي هو علم الوحي، الذي يجب أن نرتوي منه إلى أقصى ما نستطيع، إنه هو الأول قبل كل شيء.

هذه نقطة مركزية أساسية في السير، اختارها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، واختارها الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذكورا وإناثا، واختارها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لأبنائهم وأحفادهم، واختارتها الأمة على مر التاريخ، فلا ينبغي أن يطرأ على هذه الحقيقة أي اختلال، سواء بالنسبة للسير الفردي أو للسير الجماعي، لأن الخطاب القرآني وإن كان متجها إلى فرد واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم فالمقصود به أيضا الجماعة والأمة والدولة.

ومن مستلزمات هذه النقطة الأولى التي هي أولى الأولويات في حياة الفرد والجماعة والأمة والدولة الإسلامية:

1-
أن التفوق في العلم هو الخيار الاستراتيجي ليعود المسلمون إلى التاريخ، وتعود الأمة سائدة قائدة رائدة، أي عندما تريد أن تكون حيث وضعها الله تعالى في الموقع الطبيعي لها الذي هو الشهادة على الناس، وذلك إنما يكون بالعلم. إن التفوق في العلم بلغة اليوم هو الخيار الاستراتيجي، والطريق المعبد للإمامة الحضارية.

ومعنى هذا أن أكبر حظ في ميزانية الدولة ينبغي أن يتجه إلى العلم، وإلى تكوين الأطر العلمية، فإن ذلك ينبغي أن يقدم على ما سواه في الأمة الإسلامية، كما أن البحث العلمي ينبغي أن تكون له الميزانية الضخمة التي لا تعادلها ميزانية أخرى لأن العلم له الريادة. فالعلم هو الذي يشق الطريق في الصخر، والعلم هو الذي يتم به الابتكار، هو الذي به يتم تعبيد الطريق تجاه التفوق، تجاه الإمامة الحضارية، إذ لا يمكن لأمة أن تنطلق تجاه المسار الصحيح الذي يؤهلها لأن تدرك ما سواها وتتفوق عليه، بدون علم. لهذا كان الانطلاق من العلم هو الخيار الاستراتيجي. هذا الخيار لن تندم الأمة إذا دفعت فيه أقصى ما تستطيع، لأنه الشيء الذي ينبني عليه ما سواه، وهو لا ينبني على سواه.


2-النقطة الثانية: من مستلزمات الانطلاق من العلم أن الإصلاح يبتدئ من الفكر وليس من السلوك. السلوك تابع لما في القلب، لما في العقل، سمه ما شئت، المهم البدء من الداخل الذي يسميه بعضهم التصور، ويسميه بعضهم بالعقيدة أو ما شاء أن يسميه. المهم تلك الأمور التي تكون في الداخل، نوع الأفكار التي عندك في الداخل هي التي ينبغي أن يطرأ عليها التصحيح أولا، لأن السلوك ينبني على ما هنالك من فكر. فالفكر الأعوج يعطي السلوك الأعوج، والفكر الصحيح يعطي السلوك الصحيح، والتصور الصحيح ينتج عنه السلوك الصحيح، ولذلك فالعمل تابع للعلم ولا عكس، ولذلك أقول: الباطن مقدم على الظاهر، وهذا واضح في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" لأن "اقرأ" لا تخاطب الأنف، أو الأذن، أو الرجل، ولكنها تخاطب القلب البشري الذي تحدث فيه التحول، تخاطب باطن الإنسان، على حسب ما يقع في هذا الباطن من تحول من الفساد إلى الصلاح، من المرض إلى الصحة، يكون التحول بعد في السلوك. وعلى حسب الرسوخ الذي يكون في هذه الحقائق الصحيحة يكون الثبات في الخارج عند الابتلاء.


3-
ومن مستلزمات النقطة الأولى كذلك: البدء بالأصل قبل الفرع. فالفرد أصل والجماعة فرع، لأن الجماعة مكونة من أفراد، والدولة مكونة من أفراد، والأمة مكونة من أفراد، وهكذا، وكذلك الفرد مكون من قلب وجوارح، فإذن دائما الأصل يقدم على الفرع، لأننا حين نصلح النقطة المركزية تلقائيا ينصلح ما سواها تبعا لها، فإذن إصلاح الفرد هو الذي يتجه له الأمر أولا، ثم إصلاح الأسر والجماعات يأتي تلقائيا، ثم الأسرة الصالحة والجماعة الصالحة تصبح أصلا لما يتلو بعد من كتل، وكل كتلة تكون نواة لغيرها تعتبر أصلا لغيرها وفرعا عن أصلها، فدائما نظام الأولويات يحكمه هذا المبدأ: "الأصل قبل الفرع"، والأصل الأول قبل الأصل الثاني، والثاني قبل الثالث، والثالث قبل الرابع وهكذا...ولذلك كان الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرأ ويقرئ غيره، ويعلم ويعلم غيره.


4-
 ومن مستلزمات "اقرأ باسم ربك": التبرؤ من كل حول و طول، هذه نقطة مهمة جدا، لأن الأمر بالقراءة ليس أمرا تكليفيا بما لا يستطاع، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن متعلما القراءة حتى يقرأ شيئا مكتوبا، ولكنه أمر تكويني، أي "صر قارئا" بحول الله وقوته، لأن المفعول حين يحذف يكون التركيز على الفعل، وهنا حذف المقروء، فكان التركيز على فعل القراءة، أي "كن قارئا" باسم ربك، لتكون قراءتك باسم ربك -وأنت أمي- من أعظم المعجزات الدالة على نبوتك، ويكون إقراؤك لأمتك وتزكيتها بالعلم الرباني لتصبح خير أمة من أعظم معجزات الوحي الصانع لأمة فريدة في التاريخ الحضاري.

وهذا التعبير "اقرأ باسم ربك" يراد منه أمران كبيران لابد أن نستصحبهما باستمرار، وهما: الاستئذان، واستمداد الحول. كأنك تقول: أستأذن الله تعالى وأتوكل عليه، أي لا أمارس فعل القراءة إلا بعد استئذان الله، ولا أمارسه بحولي، ولكن أمارسه بحول الله وقوته وقدرته.

وإذا كان من المعلوم تاريخيا أن الأحكام كانت تصدر باسم الكاهن، أو الساحر، أو ما أشبه، فإن الواقع أيضا يعرف أحكاما تصدر باسم مجلس الثورة أو باسم رئيس الجمهورية أو ما أشبه، فالتعبير إذن هنا "باسم ربك" يراد منه تصحيح هذا.
وفي مقامنا هذا، ما أمرت به الشريعة يجب أن نقدم عليه متوكلين على الله وحده كائنا ما كان، لا على حولنا ولا على قوتنا، إذ لا حول لنا ولا قوة مهما أعددنا.

وهذه النقطة مركزية، خصوصا وأن الله تعالى علم المسلمين درسا من حنين في ظروف صعبة حيث قال لهم "ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا" التوبة/25 التفات القلب إلى غير الله يجلب الهزيمة، فقلب المؤمن لا ينبغي أن يتوكل إلا على الله، وألا يتجه إلا إلى جهة واحدة لا شريك لها هي جهة الله جل جلاله وإن أعد ما أعد، وإن أعددنا ما أعددنا أفرادا أو جماعة أو دولة أو أمة. قال الله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" الأنفال/ 61 ولكن مع الإعداد لابد من التوكل على الله، لأن التوكل هو القوة التي لا قوة فوقها.

هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قارئا "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون" العنكبوت/48 ولكنه صار قارئا بحول الله وقوته.