الخميس، 13 يونيو 2013

ومن حَرَّمَ الكلام في الحب؟ (للشيخ علي الطنطاوي) 1/2


ومن حَرَّمَ الكلام في الحب؟ (للشيخ:علي الطنطاوي)
و الله الذي أمال الزهرة على الزهرة حتى تكون الثمرة، وعطف الحمامة على الحمامة حتى تنشأ البيضة، وأدنى الجبل من الجبل حتى يولد الوادي، ولوى الأرض في مسراها على الشمس حتى يتعاقب الليل والنهار، هو الذي ربط بالحب القلب بالقلب حتى يأتي الولد.

ولولا الحب ما التفَّ الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطف الظبي على الظبية في الكناس البعيد، ولا حنى الجبل على الرابية الوادعة، ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو البحر.

ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع، ولا كانت الحياة.

ما في الحب شيء ولا على المحبين سبيل، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه، أو يضيع خلقه، أو يهدم رجولته أو يشتري بلذَّة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم.

أوَلم يؤلف ثلاثة من أعلام الإسلام، ثلاثة كتب في الحب، وهم: صاحب الأعلام(ابن القيم)، ومصنف المُحلَّى (ابن حزم)، والإمام ابن الإمام
ويا ليت الشباب يعودون الى الحب , فتقل هذه الشرور, ويخف هذا الفساد ولكن أنى يكون هذا الحب ,مع هذه الشهوات المستعرة ؟
انها اذا لم تطمر الفحمة في الارض دهرا, لا تصير الماسا ,واذا لم تدفن الشهوه في جوف القلب عمرا , لا تكون حبا .
ولكن كيف أكتب عن الحب ؟
وهل تسع هذه المقالة حديث الحب ؟ هل يوضع القمر في كف غلام ؟ هل يصب البحر في كف مدام ؟ وأين لعمري الالفاظ التي احملها معاني الحب ؟ أين التعبير الذي يترجم عن العاطفة ؟
إن البشر لا يزالون أطفالا ما تعلموا الكلام, إنهم خرس يتكلمون بالإشارات , وما هذه اللغات إلا إشارات الخرسان ,و إلا فأين الالفاظ التي تصف ألوان الغروب , ورجفات الأنغام , وهواجس القلوب؟
........

الحب عالم من العواطف , ودنيا من الشعور , فيها كل عجيب وغريب , وليس لنا إليه الا هذه الكوة الضيقة , الكلمة القصيرة ذات الحرفين , : الحاء و الباء , الحاء وتمثل الحنان , والباء و التي تجعل الفم وهو ينطق بها , كأنه متهيا لقبلة , كلمة (الحب) , ولكن كم بين حب وحب ؟


بين (حب) التلميذ مدرسته. و (حب) الوالد ولده. و (حب) الصديق صديقه.
و (حب) المتشائم الوحدة,  و حب أكلة من الأكلات و حب منظر من مناظر الطبيعة, و حب كتاب من الكتب ..
وبين حب المجنون ليلاه ؟؟
وحب العاشقين أنواع وأنواع 
ففي أي الحب أتحدث ؟

وكيف أجمع أطراف الكلام حتى أحشره في هذه الصفحات . ولو لبثت شهرا أكتب كل يوم فصلا ما أتيت على ما في نفسي , ولما وفيت حقه الموضوع؟
ولكني مع ذلك سأحاول 
أحاول أن أكتب في الحب, و قد تقضى الصبا,و تولى الشباب , و ما كان يوما يملأ القلب ,صار ذكرى لا تكاد تخطر على البال؟.

لقد كنت إذ أكتب في الحب, أغرف من معين في نفسي يتدفق, فجف النبع حتى ما يبض بقطرة, و خلا الفؤاد من ألم الهجر, و أمل الوصال, وبطل سحر الغيد, وطمست شمس الحقيقة, سرج الاباطيل؟
ولو أني بليت بحب جديد , لأعاد الحب أيامي , التي مضت , والحب يصنع المعجزة , 
التي تتقطع دونها أمل البشر , يعيد للنحب ماضيات الايام , ويرجع له خوالي الليالي , 
ويرد الكهل فتى , والفتى طفلا , وأين مني الحب ؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق