الجمعة، 14 يونيو 2013

"صناعة القائد" أو "صناعة الوهم"؟!

"صناعة القائد" أو "صناعة الوهم"؟!

"اكتشف القائد الذي بداخلك", "صناعة القائد", "سحر القيادة"...إلخ
عناوين كثيرة مماثلة تطالعنا في هذه السنوات الأخيرة بعد ثورة "التنمية البشرية "التي لجأ إليها المسلمون و استوردوها من الغرب ظنا منهم أنها ستخرجهم من أزمة الفشل التي يعيشونها!
دورات أقيمت و أموال أهدرت و كتب ألفت و لا زال الحال هو الحال...
فشل يتلوه فشل..

نحن لا نستنكف عن الإستفادة من أي مجهود أو فكر لا يتنافى مع قيمنا الإسلامية, و قد استورد المسلمون من الروم و الفرس أفكار إدارية عديدة في عز تطور الخلافة الإسلامية و مجدها! فلا أحب أن يحمل أحد كلامي هذا على محمل الرفض لما يأتينا من الغرب!

و لكن أن يتم خداع الناس و إيهامهم أنه بإمكان أي واحد منهم أن يصير قائدا فهذا من الغش المحرم و الكذب على الناس! (لا أقول أن كل من كتب في القيادة يفعل ذلك)

و بيان ذلك كما يلي:

أولا: لقد جاء في الحديث الصحيح ان سيدنا "أبو ذر" رضي الله عنه طلب من سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم أن يستعمله فأخبره سيدنا محمد أنه لا يقدر عليها:
عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها
قلتُ: هذا سيدنا "أبو ذر" رضي الله عنه و هو يملك الكثير من مواصفات القيادة بل هو قائد رضي الله عنه في مجال الدعوة و الأمر بالمعروف و نصرة الإسلام و لكنه لا يملك (كما رأى النبي صلى الله عليه و سلم) مقومات تولي الإمارة!
و أبو ذر رضي الله عنه خير (ديانة) من كثير ممن تولى الإمارة في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و في عهد الخلفاء الراشدين و لكن كانت لهم خصال جعلتهم أجدر بالولاية منه!
و أين نحن اليوم من قوة أبي ذر رضي الله عنه!
و إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول لسيدنا "أبا ذر" "إنك ضعيف" فكيف هو حالنا نحن؟
ثانيا: علق يوما أحد أصحابي  على موضة القيادة فقال مستشهدا بمثل معروف: "أنت أمير و أنا أمير فمن منا يسوق الحمير"!!
و هذا كلام مليح فإنه من المعلوم بالبديهة أنه من المستحيل أن يكون كل الناس قادة مقدمين متصدرين!! و إلا فسيقودون من؟
و انتشار مثل هذه النظريات السخيفة عن امتلاك كل شخص صفات القيادة أدى إلى التنازع على سبيل المثال في بعض الجماعات الإسلامية و حدوث انشقاق يتلوه انشقاق (كمثل ما يحدث في الإنفجار النووي) لأن كل واحد يظن أنه خير من صاحبه و أجدر بالإمارة منه, و لا تطاوعه نفسه أن يعمل تحت إمرته!
و من حكمة الله أن جعل للبعض صفات الزعامة بالجبلة و جعل لغيره صفات الإنقياد و الخضوع لإحداث التوازن في سير الحياة و إلا فبالله عليكم جربوا أن يُضرب "عمال النظافة" يومين عن العمل!!
ثالثا: إن مفهوم القيادة بصيغته الحالية يطمس الصيغة النبوية لها:
"ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع مسئول عن رعيته"
فالبر بالوالدين نوع من القيادة...
و إدارة الأسرة نوع من القيادة...
و إدارة الخلافات الزوجية نوع من القيادة..
و مثل هذا النوع من القيادة هو الذي ينبغي بالفعل تنبيه الناس إليه و تدريبهم و متابعتهم لأدائه على النحو الذي يرضي الله تعالى!
و الإنسان الذي يتصدر لقيادة الجماهير و هو عاجز عن إدارة بيته و احتواء الخلافات الزوجية و بر والديه هو إنسان فاشل يهرب من واقعه إلى عالم افتراضي من الأوهام و المسكنات!

إن معظم من يتكلمون في القيادة و يحاضرون فيها و يدربون يتحسسون وترا خفيا في النفس البشرية و هو حب الزعامة و الإمارة و التصدر!
و لا يخفى على أي إنسان عاقل أنه لا يمكن لأي إنسان أن يصبح قائدا قبل أن يمر بمرحلة "صناعة الجندي"!
فالرضيع لا يصبح رجلا في غمضة عين!
و كذلك القائد لا يبرز من العدم!
و لنا في الصحابة رضوان الله عليهم أسوة  فإنهم لم يصبحوا قادة إلا بعد أن مروا بمرحلة إعداد و جندية و انضباط صارمة!
إن صناعة الجندي مقدمة على صناعة القائد, و لكن هؤلاء الذين يتكلمون في القيادة يعلمون أن تجارتهم ستبور إذا أرادوا تعليم الناس كيف يصبحون جنودا يتلقون التعليمات و ينفذونها!

و لننظر حولنا كم هو عدد الكتب و الدورات و المحاضرات التي تتكلم عن "صناعة الجندي"؟!

أترك الجواب للقراىء العزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق